فصل: في إمام الصّلاة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


الموسوعة الفقهية / الجزء الثلاثون

عَدل

التّعريف

1 - العَدل‏:‏ خلاف الجور، وهو في اللّغة‏:‏ القصد في الأمور، وهو عبارة عن الأمر المتوسّط بين طرفي الإفراط والتّفريط، والعدل من النّاس‏:‏ هو المرضيّ قوله وحكمه، ورجل عدل‏:‏ بيّن العدل، والعدالة وصف بالمصدر معناه‏:‏ ذو عدل‏.‏

والعدل يطلق على الواحد والاثنين والجمع، ويجوز أن يطابق في التّثنية والجمع فيقال‏:‏ عدلان، وعدول، وفي المؤنّثة‏:‏ عدلة‏.‏

والعدالة‏:‏ صفة توجب مراعاتها الاحتراز عمّا يخلّ بالمروءة عادةً في الظّاهر‏.‏

والعدل في اصطلاح الفقهاء‏:‏ من تكون حسناته غالبةً على سيّئاته‏.‏ وهو ذو المروءة غير المتّهم‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - القسط‏:‏

2 - القسط في اللّغة‏:‏ العدل والجور فهو من الأضداد، وأقسط بالألف عدل فهو مقسط إذا عدل، فكأنّ الهمزة في أقسط للسّلب كما يقال شكا إليه فأشكاه‏.‏

فقسط وأقسط لغتان في العدل، أمّا في الجور فلغة واحدة وهي قسط بغير ألف‏.‏

والقسط بإطلاقيه أعمّ من العدل‏.‏

ب - الظّلم‏:‏

3 - أصل الظّلم‏:‏ الجور ومجاوزة الحدّ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الوضوء‏:‏ » فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم «‏.‏

وهو عند أهل اللّغة وكثير من العلماء‏:‏ وضع الشّيء في غير موضعه المختصّ به، والظّلم في الشّرع‏:‏ عبارة عن التّعدّي عن الحقّ إلى الباطل‏.‏

ج - الفسق‏:‏

4 - الفسق هو‏:‏ الخروج من الطّاعة، وأصله خروج الشّيء من الشّيء على وجه الفساد، وفسق فلان أي‏:‏ خرج عن حجر الشّرع، والظّلم أعمّ من الفسق‏.‏

أحكام العدل

5 - العدل من أسماء اللّه الحسنى، وبه قامت السّموات والأرض، وانتظم أمر الخليقة، وقد وردت أحكام العدل في أبواب عديدة من كتب الفقهاء منها‏:‏

في إمام الصّلاة

6 - اختلف الفقهاء في اشتراط كون الإمام في الصّلاة عدلاً‏:‏

فذهب الحنفيّة والشّافعيّة وهو خلاف المشهور عند المالكيّة إلى عدم اشتراط كون الإمام عدلاً، لحديث‏:‏ » صلّوا خلف كلّ برّ وفاجر «‏.‏

وذهب الحنابلة وهو المشهور عند المالكيّة إلى اشتراط كون الإمام عدلاً، فلا تصحّ إمامة الفاسق لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ‏}‏‏.‏

ولقـوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا تؤمّنّ امرأة رجلاً، ولا يؤمّ أعرابيّ مهاجراً، ولا فاجر مؤمناً «‏.‏

وحديث‏:‏ » اجعلوا أئمّتكم خياركم «‏.‏

وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏إمامة الصّلاة ف 24‏)‏‏.‏

في عامل الزّكاة

7 - اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في عامل الزّكاة العدل، وأنّه يحرم تولية الفاسق وجعله عاملاً للزّكاة، لأنّ هذا نوع ولاية فاشترط فيها العدل كسائر الولايات، ولأنّ الفاسق ليس من أهل الأمانة‏.‏

إلاّ أنّ المالكيّة قالوا‏:‏ المراد بالعدل أن يكون غير فاسق في عمله، وليس أن يكون عادلاً عدل الشّهادة‏.‏

ويعبّر الحنابلة في غالب كتبهم بالأمانة، إلاّ أنّهم صرّحوا بأنّ مرادهم منها العدالة‏.‏

في رؤية هلال رمضان

8 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يشترط فيمن يرى هلال رمضان أن يكون عدلاً إلاّ أنّهم اختلفوا في العدالة المعنيّة، فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ العدالة المشروطة في رائي هلال رمضان هي العدالة الظّاهرة، ولهذا يثبت عندهم برؤية العبد والمرأة‏.‏

ويرى المالكيّة والحنابلة أنّ العدالة المقصودة هي العدالة الباطنة، فلا يقبل قول مستور الحال لعدم الثّقة به، كما لا تقبل من الفاسق‏.‏

ولكنّ الفقهاء قالوا بوجوب الصّيام على من أخبره مخبر يثق به برؤيته لهلال رمضان وإن كان فاسقاً غير عدل، كما أنّ على رائي الهلال أن يصوم عدلاً كان أو فاسقاً، شهد عند الحاكم أو لم يشهد، قبلت شهادته أو ردّت، لأنّه يعلم أنّ هذا اليوم من رمضان‏.‏

وفي رؤية هلال شوّال وذي الحجّة وغيرها من الشّهور تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏رؤية الهلال ف 6‏)‏‏.‏

في القبلة

9 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من شروط من يقبل خبره عن القبلة أو يقلّده غيره في الدّلالة عليها أن يكون عدلاً، وأنّه لا يقبل فيها خبر الفاسق، لقلّة دينه، وتطرّق التّهمة إليه، ولعدم الاعتداد بإخباره فيما هو من أمور الدّين‏.‏

وفي قول عند الشّافعيّة يقبل خبر الفاسق في شأن القبلة، لعدم التّهمة فيها، كما أنّ بعض الحنابلة ذهب إلى أنّه يصحّ التّوجّه إلى قبلة الفاسق في بيته إن لم يكن هو الّذي عملها أمّا إذا عملها هو فكإخباره‏.‏

في نجاسة الماء أو طهارته

10 - ذهب الفقهاء من الحنفيّة، والمالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة إلى أنّ من شروط من يقبل خبره عن نجاسة الماء أو طهارته أن يكون عدلاً، فلا يقبل خبر الفاسق، لأنّه ليس من أهل الرّواية ولا من أهل الشّهادة، والعدالة المشروطة هنا هي العدالة الظّاهرة‏.‏

إلاّ أنّ الشّافعيّة صرّحوا بأنّه‏:‏ لو أخبر جماعة من الفسّاق لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن نجاسة الماء أو طهارته قبل خبرهم، وكذا لو أخبر الفاسق عن فعل نفسه في الماء‏.‏

في وليّ النّكاح

11 - اختلف الفقهاء في اشتراط أن يكون الوليّ في النّكاح عدلاً‏:‏

فذهب الحنفيّة وهو المشهور عند المالكيّة، وهو رأي عند الشّافعيّة، ورواية عن أحمد إلى عدم اشتراط أن يكون الوليّ عدلاً في النّكاح‏.‏

وقال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ يشترط أن يكون عدلاً‏.‏

وقال المالكيّة في غير المشهور‏:‏ إنّه شرط كمال يستحبّ وجوده، ويكره تزويج الوليّ الفاسق‏.‏

وهذا الخلاف عندهم في غير السّلطان الّذي يزوّج من لا وليّ لها، أمّا هو فلا تشترط عدالته للحاجة، كما لا تشترط العدالة في سيّد يزوّج أمته، لأنّه تصرّف في ملكه كما لو آجرها‏.‏

في الوصيّ

12 - اختلف الفقهاء في اشتراط كون الوصيّ عدلاً‏:‏

فذهب الشّافعيّة، وهو رواية عن أحمد إلى اشتراط ذلك‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لا يشترط فيه ذلك، ووافقهم المالكيّة في ذلك إلاّ أنّهم قالوا‏:‏ إنّ المراد بكونه عدلاً هنا‏:‏ أن يكون أميناً حسن التّصرّف حافظاً لمال الصّبيّ‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏إيصاء ف 11‏)‏‏.‏

في ناظر الوقف

13 - اتّفق الفقهاء على أنّ ناظر الوقف إذا كان معيّناً من قبل الحاكم فيجب أن يكون عدلاً، لأنّ النّظر في الوقف ولاية كالوصاية، وأنّ الحاكم إذا عيّن فاسقاً لم يصحّ تعيينه، وتزال يده من الوقف، وإن ولاه الحاكم وهوعدل ثمّ طرأ عليه الفسق انعزل ونزع الحاكم منه الوقف، لأنّ مراعاة الوقف أهمّ من إبقاء ولاية الفاسق عليه، قال السّبكيّ من الشّافعيّة‏:‏ يعتبر في منصوب الحاكم العدالة الباطنة، وينبغي أن يكتفى في منصوب الواقف بالعدالة الظّاهرة‏.‏

أمّا إذا كان النّاظر منصوباً من قبل الواقف فينظر تفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏وقف‏)‏‏.‏

في وليّ المحجور عليه

14 - ذهب الفقهاء إلى أنّ من شروط وليّ الصّغير أن يكون عدلاً سواء كان أباً أو جدّاً أو غيرهما، لأنّها ولاية، وتفويضها إلى غير العدل تضييع للصّبيّ ولمال الصّبيّ، والعدالة المشروطة هي الظّاهرة لا الباطنة، فتثبت الولاية للأب مثلاً إذا كان مستور الحال لا يعرف عدالته ولا فسقه وذلك، لوفور شفقته وكمالها على ولده، ومثل الصّبيّ في ذلك المجنون والمعتوه‏.‏

وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏ولاية‏)‏‏.‏

في الإمامة العظمى والولايات العامّة

15 - اختلف الفقهاء في اشتراط أن يكون عدلاً من يتولّى الإمامة الكبرى أو ما شابهها من الولايات العامّة‏.‏

فذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض الحنفيّة إلى اشتراط كونه عدلاً، لأنّ الفاسق متّهم في دينه‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ العدالة ليست شرطاً للصّحّة وأنّ تقليد الفاسق الإمامة الكبرى جائز مع الكراهة، ونقلت في هذا رواية عن الإمام أحمد وبعض الشّافعيّة‏.‏

ومثل الإمام الأعظم في اشتراط العدالة الولاة العامّون والوزراء التّنفيذيّون وأعضاء مجلس الشّورى وأمراء الجيوش‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

ر‏:‏ مصطلح‏:‏ ‏(‏الإمامة الكبرى ف 11‏)‏‏.‏

في القضاة وولاة المظالم والمفتين والمستخلفين من القضاة والمحكّمين وغيرهم

16 - اختلف الفقهاء في اشتراط أن يكون القاضي ونحوه عدولاً‏:‏

فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض الحنفيّة إلى اشتراط العدالة فيمن يتولّى القضاء أو يتصدّى للفتوى، فلا يجوز تولية الفاسق للقضاء ولا من فيه نقص يمنع قبول شهادته‏.‏ أمّا الحنفيّة فذهبوا إلى أنّ العدالة ليست شرط صحّة في تولية القضاء، وأنّ الفاسق أهل للقضاء ويجوز تقليدها له وتنفذ قضاياه إذا لم يجاوز فيها حدّ الشّرع، لأنّ العدالة عندهم ليست إلاّ شرط كمال، ولذلك ينبغي عندهم ألاّ يقلّد الفاسق، لأنّ القضاء أمانة عظيمة، وهي أمانة الأموال والأبضاع والنّفوس، فلا يقوم بوفائها إلاّ من كمل ورعه وتمّ تقواه، إلاّ أنّه لو قلّد الفاسق مع هذا جاز التّقليد في نفسه وصار قاضياً، لأنّ الفساد لمعنىً في غيره، فلا يمنع جواز تقليده القضاء، وحكي عن الأصمّ مثل هذا حيث قال‏:‏ يجوز أن يكون القاضي فاسقاً، لقـوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذرّ‏:‏ » كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخّرون الصّلاة عن وقتها، أو يميتون الصّلاة عن وقتها، قال‏:‏ قلت‏:‏ فما تأمرني ‏؟‏ قال‏:‏ صلّ الصّلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلّ، فإنّها لك نافلة «‏.‏

ر‏:‏ مصطلح‏:‏ ‏(‏قضاء‏)‏ ومصطلح‏:‏ ‏(‏ولاية‏)‏‏.‏

في الشّهود

17 - اختلف الفقهاء في اشتراط كون الشّاهد عدلاً‏:‏

فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يشترط في الشّهود أن يكونوا عدولاً في التّحمّل والأداء لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ‏}‏، ولأنّ اللّه سبحانه وتعالى أمر بالتّوقّف عن نبأ الفاسق في قـوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ‏}‏ والشّهادة نبأ فيجب التّثبّت‏.‏

و لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا تجوز شهادة خائن، ولا خائنة ولا محدود في الإسلام، ولا ذي غمر على أخيه «، ولأنّ دين الفاسق لم يزعْهُ عن ارتكاب محظورات في الدّين، فلا يؤمن أن لا يزعه عن الكذب فلا تحصل الثّقة بشهادته‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ العدل ليس شرطاً في أهليّة الشّهادة، وأنّ الفاسق يجوز له أن يتحمّل الشّهادة، والمالكيّة يوافقونهم في هذه الجزئيّة، فإذا تحمّل الشّهادة وهو فاسق ثمّ تاب من فسقه ثمّ شهد قبلت شهادته، أمّا إذا لم يتب فيمنع من الأداء، لتهمة الكذب‏.‏

والعدالة المشروطة عند الحنفيّة لأداء الشّهادة هي الظّاهرة، أمّا العدالة الحقيقيّة وهي الباطنة الثّابتة بالسّؤال عن حال الشّهود بالتّعديل، والتّزكية فليست بشرط عندهم، ما لم يطعن الخصم في الشّهود، أو كانت الشّهادة في الحدود والقصاص، فحينئذ يجب على القاضي أن لا يكتفي بالعدالة الظّاهرة، بل يسأل عن حال الشّهود، لدرء الحدود‏.‏

واختلفوا فيما سوى الحدود والقصاص إذا لم يطعن الخصم، فقال أبو حنيفة‏:‏ لا يسأل القاضي عن حال الشّهود، بل يعتمد على العدالة الظّاهرة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ‏}‏، ولأنّ العدالة الحقيقيّة ممّا لا يمكن الوصول إليها فيجب الاكتفاء بالظّاهرة‏.‏ وذهب صاحباه‏:‏ إلى اشتراط العدالة الباطنة‏.‏

وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏شهادة ف 22‏)‏‏.‏

في راوي الحديث

18 - ذهب أئمّة الحديث والفقه إلى أنّه يشترط فيمن يحتجّ بروايته - في الحديث - أن يكون عدلاً سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ‏}‏‏.‏ ولقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ‏}‏‏.‏

وفي الحديث‏:‏ » لا تأخذوا العلم إلاّ عمّن تجيزون شهادته «، ولما روي عن ابن سيرين‏:‏ إنّ هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم، وعن النّخعيّ قال‏:‏ كانوا إذا أتوا الرّجل ليأخذوا عنه نظروا إلى سمته وإلى صلاته وإلى حاله ثمّ يأخذون عنه‏.‏

وتثبت عدالة الرّاوي إمّا بتنصيص معدّلين، وإمّا بالاستفاضة، فمن اشتهرت عدالته بين أهل النّقل والعلم، وشاع الثّناء عليه بالثّقة والأمانة استغني فيه بذلك عن بيّنة شاهدة بعدالته تنصيصاً‏.‏

وقال ابن عبد البرّ‏:‏ كلّ حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبداً على العدالة حتّى يتبيّن جرحه، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين « ويقبل التّعديل سواء في الرّاوي أو في الشّاهد من غير ذكر سببه على الصّحيح المشهور، لأنّ أسبابه كثيرة يصعب ذكرها‏.‏

أمّا الجرح فإنّه لا يقبل إلاّ مفسّراً مبيّن السّبب، لأنّ النّاس يختلفون فيما يجرح وما لا يجرح، فقد يطلق أحدهم الجرح بناءً على أمر اعتقده جرحاً وليس بجرح في نفس الأمر، فلا بدّ من بيان سببه لينظر هل هو قادح أو لا، قال ابن الصّلاح‏:‏ وهذا ظاهر مقرّر في الفقه وأصوله‏.‏

وجرح الرّاوي أو تعديله يثبت - في الصّحيح - بواحد، لأنّ العدد لم يشترط في قبول الخبر، فلم يشترط في جرح راويه أو تعديله، وقيل‏:‏ لا بدّ من اثنين كما في الشّهادة‏.‏ والجرح والتّعديل إن اجتمعا في شخص فالصّحيح أنّ الجرح مقدّم على التّعديل، لأنّ المعدّل يخبر عمّا ظهر من حاله، والجارح يخبر عن باطن خفي على المعدّل، ولأنّ الجارح يقول‏:‏ رأيته يفعل كذا وكذا، والمعدّل مستنده أنّه لم يره يفعل كذا وكذا، سواء كانوا متساوين أو كان عدد المعدّلين أكثر‏.‏

وقيل إن كان عدد المعدّلين أكثر فالتّعديل أولى‏.‏

وروي عن بعض المالكيّة قولهم‏:‏ إذا كان الجارحون والمعدّلون متساوين ينظر أيّهما أعدل فيرجّح جانبهم سواء أكان ذلك في التّعديل أم في التّجريح‏.‏

واختلف العلماء في قبول رواية المبتدع الّذي لا يكفر في بدعته‏:‏

فمنهم من ردّ روايته مطلقاً، لأنّه فاسق ببدعته، وكما استوى في الكفر المتأوّل وغير المتأوّل، يستوي في الفسق المتأوّل وغير المتأوّل، ومنهم من قبل روايته إذا لم يكن ممّن يستحلّ الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه، سواء كان داعيةً إلى بدعته أو لم يكن، قال الشّافعيّ‏:‏ أقبل شهادة أهل الأهواء إلاّ الخطابيّة من الرّافضة، لأنّهم يرون الشّهادة بالزّور لموافقيهم‏.‏

وقال آخرون‏:‏ تقبل روايته إذا لم يكن داعيةً، ولا تقبل إذا كان داعيةً إلى بدعته وهذا مذهب أكثر العلماء

العدل في الحكم

19 - تحدّث الفقهاء عن العدل في الحكم وحرمة جور الحاكم على رعيّته وأصل ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ‏}‏‏.‏

ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » كلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيّته، الإمام راع ومسئول عن رعيّته «‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ما من عبد يسترعيه اللّه رعيّةً يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيّته إلاّ حرّم اللّه عليه الجنّة «‏.‏

وفي رواية‏:‏ » ما من أمير يلي أمر المسلمين ثمّ لا يجهد لهم وينصح إلاّ لم يدخل معهم الجنّة «‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » اللّهمّ من ولي من أمر أمّتي شيئاً فشقّ عليهم فاشقق عليه «‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏الإمامة الكبرى ف 11‏)‏‏.‏

العدل بين الزّوجات

20 - تحدّث الفقهاء عن وجوب العدل بين الزّوجتين أو بين الزّوجات لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ‏}‏‏.‏

ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إذا كان عند الرّجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقّه ساقط «‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تسوية ف 8‏)‏‏.‏

العدل بين الأولاد

ذكر الفقهاء كذلك مراعاة العدل في الهبات، والعطايا بين الأولاد، وعدم تفضيل بعضهم على بعض لحديث النّعمان بن بشير رضي الله عنهما‏:‏ » أعطاني أبي عطيّةً، فقالت عمرة بنت رواحة‏:‏ لا أرضى حتّى تشهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إنّي أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطيّةً، فأمرتني أن أشهدك يا رسول اللّه، قال‏:‏ أعطيت سائر ولدك مثل هذا ‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ فاتّقوا اللّه واعدلوا بين أولادكم قال‏:‏ فرجع فردّ عطيّته «‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تسوية ف 11‏)‏‏.‏

عُدْوان

التّعريف

1 - العدوان‏:‏ بمعنى التّجاوز عن الحدّ، مصدر عدا يعدو يقال‏:‏ عدا الأمر يعدوه وتعدّاه كلاهما تجاوزه، وعدا على فلان عَدْواً وعُدُوّاً وعدواناً وعداءً أي‏:‏ ظلم ظلماً جاوز فيه القدر، ومنه كلمة‏:‏ العدوّ، وقول العرب‏:‏ فلان عدوّ فلان معناه‏:‏ يعدو عليه بالمكروه ويظلمه‏.‏

ويستعمل العدوان بمعنى السّبيل أيضاً، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ لا سبيل ويقول القرطبيّ‏:‏ العدوان‏:‏ الإفراط في الظّلم‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ لهذه الكلمة عن المعنى اللّغويّ‏.‏

وأغلب استعمال الفقهاء لهذه الكلمة في التّعدّي على النّفس أو المال بغير حقّ، ممّا يوجب القصاص أو الضّمان‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الظّلم‏:‏

2 - الظّلم اسم من ظلمه ظلماً ومظلمةً، وأصل الظّلم‏:‏ وضع الشّيء في غير موضعه‏.‏ يقول الأصفهانيّ‏:‏ الظّلم يقال في مجاوزة الحقّ الّذي يجري مجرى نقطة الدّائرة، ويقال فيما يكثر وفيما يقلّ من التّجاوز‏.‏

ويقول الألوسيّ في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً‏}‏ الظّلم والعدوان بمعنىً، وقيل‏:‏ أريد بالعدوان‏:‏ التّعدّي على الغير، وبالظّلم‏:‏ الظّلم على النّفس بتعريضها للعقاب‏.‏

ب - الإثم‏:‏

3 - الإثم لغةً‏:‏ الذّنب، وقيل‏:‏ هو أن يعمل ما لا يحلّ له‏.‏

وعرّفه الجرجانيّ بأنّه‏:‏ ما يجب التّحرّز منه شرعاً وطبعاً‏.‏

قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ‏}‏ الإثم‏:‏ الفعل الّذي يستحقّ عليه الذّمّ، ومثله ما ذكره الألوسيّ، وقيل‏:‏ ما تنفر منه النّفس، ولا يطمئنّ إليه القلب، وفي الحديث‏:‏ » الإثم ما حاك في صدرك «‏.‏

وعلى ذلك فالإثم أعمّ من العدوان‏.‏

الحكم الإجماليّ

4 - يختلف حكم العدوان حسب اختلاف متعلّقه، فقد قرّر الفقهاء والأصوليّون أنّ حفظ الدّين والنّفس والعقل والنّسل والمال من الضّروريّات الّتي لا بدّ منها في قيام مصالح الدّين والدّنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدّنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج، وفي الأخرى فوت النّجاة والنّعيم‏.‏

وقد ورد في الحديث الصّحيح أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال في خطبته المشهورة في حجّة الوداع‏:‏ » إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا «‏.‏

وعلى ذلك‏:‏ فالعدوان على الأنفس عمداً حرام وموجب للقصاص وكذلك العدوان على الأعضاء عمداً‏.‏

وقد ذكر الفقهاء‏:‏ أنّ من شروط القتل العمد الموجب للقصاص العدوان، قال البنانيّ‏:‏ القصاص في العمد العدوان، والعدوان ما كان غضباً لا لعباً ولا أدباً‏.‏

ومثله ما ذكره الأبيّ الأزهريّ‏.‏

وتفصيل الموضوع في مصطلحي‏:‏ ‏(‏قتل، قصاص‏)‏‏.‏

والعدوان على الأموال بالسّرقة أو الحرابة موجب للحدّ، كما فصّل في مصطلحيهما كما أنّ العدوان على الأموال بالغصب والنّهب والاختلاس والاحتيال ونحوها موجب للضّمان، وقد ذكر الفقهاء في تعريف الغصب أنّه‏:‏ الاستيلاء على حقّ الغير عدواناً، قال القليوبيّ‏:‏ يدخل فيه أمانات تعدّى فيها وإن جهلها‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلحات‏:‏ ‏(‏غصب، نهب، إتلاف ف 34‏)‏‏.‏

5- والضّمان يكون بردّ العين إذا كانت موجودةً، وإلاّ فعلى الغاصب مثلها إن كانت مثليّةً، أو قيمتها إن لم تكن مثليّةً، قال ابن الهمام‏:‏ ردّ المثل هو الأصل في ضمان العدوان حتّى صار بمنزلة الأصل - أي‏:‏ أصل الشّيء المغصوب - أمّا القيمة فتعتبر مثلاً معنىً ولا تكون مشروعةً مع احتمال الأصل‏.‏

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ‏}‏‏.‏

والعدوان على الأعراض بالزّنا أو القذف موجب للحدّ، وبما دون ذلك موجب للتّعزير، وتفصيل هذه المسائل في مصطلح‏:‏ ‏(‏زنىً، قذف‏)‏‏.‏

عدول

انظر‏:‏ رجوع‏.‏

عدْوَى

التّعريف

1 - العدوى في اللّغة‏:‏ أصله من عدا يعدو إذا جاوز الحدّ، وأعداه من علّته وخلقه وأعداه به جوّزه إليه‏.‏

والعدوى‏:‏ أن يكون ببعير جرب مثلاً فتتّقى مخالطته بإبل أخرى حذار أن يتعدّى ما به من الجرب إليها فيصيبها ما أصابه‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ قال الطّيبيّ‏:‏ العدوى‏:‏ تجاوز العلّة صاحبها إلى غيره‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

المرض‏:‏

2 - المرض في اللّغة‏:‏ السّقم، نقيض الصّحّة، يكون للإنسان والحيوان، والمرض‏:‏ حالة خارجة عن الطّبع ضارّة بالفعل، قال ابن الأعرابيّ‏:‏ أصل المرض‏:‏ النّقصان، وهو بدن مريض‏:‏ ناقص القوّة، وقلب مريض‏:‏ ناقص الدّين، وقال ابن عرفة‏:‏ المرض في البدن‏:‏ فتور الأعضاء، وفي القلب‏:‏ فتور عن الحقّ‏.‏

وفي اصطلاح الفقهاء‏:‏ المرض هو ما يعرض للبدن فيخرجه عن الاعتدال الخاصّ‏.‏

وعلاقة المرض بالعدوى أنّ المرض قد يكون سبباً من أسباب العدوى وبالعكس‏.‏

ما يتعلّق بالعدوى من أحكام

يتعلّق بالعدوى أحكام منها‏:‏

نفي العدوى أو إثباتها

اختلف الفقهاء في إثبات العدوى أو نفيها على التّفصيل التّالي‏:‏

3 - أوّلاً‏:‏ ذهب جمهور العلماء إلى أنّ المرض لا يعدي بطبعه، وإنّما بفعل اللّه وقدره، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفرّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد «‏.‏

كما ورد عنه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا يورد ممرّض على مصحّ «‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ قال جمهور العلماء‏:‏ يجب الجمع بين هذين الحديثين وهما صحيحان، وطريق الجمع أنّ حديث‏:‏ » لا عدوى « المراد به نفي ما كانت الجاهليّة تزعمه وتعتقده أنّ المرض والعاهة تعدي بطبعها لا بفعل اللّه تعالى، وأمّا حديث‏:‏ » لا يورد ممرّض على مصحّ « فأرشد فيه إلى مجانبة ما يحصل الضّرر عنده في العادة بفعل اللّه تعالى وقدره، فنفى في الحديث الأوّل العدوى بطبعها، ولم ينف حصول الضّرر عند ذلك بقدر اللّه تعالى وفعله، وأرشد في الثّاني إلى الاحتراز ممّا يحصل عنده الضّرر بفعل اللّه وإرادته وقدره‏.‏

4 - ثانياً‏:‏ ذهب عمر رضي الله عنه وجماعة من السّلف، وعيسى بن دينار من المالكيّة إلى القول بنفي العدوى لحديث‏:‏ » لا عدوى «، وبما روي عن عائشة رضي الله عنها أنّ امرأةً سألتها عن حديث‏:‏ » وفرّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد « فقالت‏:‏ ما قال ذلك ولكنّه قال‏:‏ » لا عدوى « وقال‏:‏ » فمن أعدى الأوّل «‏.‏

واستدلّ لهذا المذهب كذلك بأنّ النّهي عن إيراد الممرّض على المصحّ ليس للعدوى بل للتّأذّي‏.‏

5- ثالثاً ذهب فريق من العلماء إلى القول بإثبات العدوى، واستدلّوا بما روي عن عمرو بن الشّريد عن أبيه قال‏:‏ » كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنّا قد بايعناك فارجع «‏.‏

وبما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ » لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفرّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد «‏.‏

الخوف من العدوى

6 - الخوف من غير اللّه تعالى لا يكون حراماً‏:‏ إن كان غير مانع من فعل واجب أو ترك محرّم وكان ممّا جرت العادة بأنّه سبب للخوف كالخوف من الأسود والحيّات، والعقارب والظّلمة، ومن ذلك الخوف من أرض الوباء لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إذا سمعتم بالطّاعون في الأرض فلا تدخلوها «‏.‏

قال المناويّ‏:‏ أي‏:‏ يحرم عليكم ذلك، ومن ذلك الخوف من المجذوم على أجسامنا من الأمراض والأسقام وفي الحديث‏:‏ » فرّ من المجذوم فرارك من الأسد «‏.‏

فصون النّفوس والأجسام والمنافع والأعضاء والأموال والأعراض عن الأسباب المفسدة واجب لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ‏}‏‏.‏

عزل الزّوج المريض عن الصّحيح

7 - إذا أصيب أحد الزّوجين بمرض معد، كالجذام، فيرى الجمهور ثبوت خيار الفسخ لكلّ واحد من الزّوجين، لإثارة النّفرة بينهما إن كان ذلك قبل العقد‏.‏

أمّا إن حصل بعده، ففي ثبوت الخيار في الفسخ خلاف وتفصيل ر‏:‏ ‏(‏جذام ف 4‏)‏‏.‏

عُذْر

التّعريف

1 - العذر لغةً‏:‏ - هو الحجّة الّتي يعتذر بها، والجمع أعذار، يقال‏:‏ لي في هذا الأمر عذر، أي‏:‏ خروج من الذّنب، وفي المصباح‏:‏ عذرته عذراً من باب ضرب‏:‏ رفعت عنه اللّوم، فهو معذور أي‏:‏ غير ملوم‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الرّخصة‏:‏

2 - الرّخصة في اللّغة هي‏:‏ اسم من ‏"‏ رخّص ‏"‏ تقول‏:‏ رخّص له الأمر أي‏:‏ أذن له فيه بعد النّهي عنه، وتأتي بمعنى ترخيص اللّه للعبد في أشياء خفّفها عنه فهي إذن بمعنى‏:‏ التّيسير والتّخفيف‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هي ما شرع من الأحكام لعذر مع قيام السّبب المحرّم، ولولا العذر لثبتت الحرمة‏.‏

ب - العفو‏:‏

3 - العفو في اللّغة‏:‏ هو محو الذّنوب، وهو - أيضاً -‏:‏ التّجاوز عن الذّنب، وترك العقاب عليه، وهو أيضاً قبول الدّية في العمد‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هو الصّفح وإسقاط اللّوم والذّنب، وفي الجنايات هو‏:‏ إسقاط وليّ المقتول القود عن القاتل‏.‏

أقسام العذر

4 - ينقسم العذر من حيث العموم والخصوص إلى قسمين‏:‏ عذر خاصّ، وعذر عامّ‏.‏

القسم الأوّل‏:‏

أوّلاً‏:‏ العذر الخاصّ بأحكام العبادات‏:‏

ويكون على نوعين‏:‏

النّوع الأوّل‏:‏ العذر الملازم غالباً لفرد معيّن

5 - ومنه‏:‏ الاستحاضة وسلس البول وانفلات الرّيح، وانطلاق البطن، والجرح الّذي لا يرقأ والرّعاف الدّائم فكلّ مسلم مصاب بعذر من هذه الأعذار يكون معذوراً، والمعذور بهذا الاعتبار‏:‏ هو الّذي لا يمضي عليه وقت صلاة إلاّ والحدث الّذي ابتلي به موجود‏.‏

أثر هذه الأعذار في العبادات‏:‏

أ - في الوضوء والغسل والتّيمّم‏:‏

6 - اتّفق الفقهاء بالنّسبة للمستحاضة على أنّه إذا انتهت الأيّام المعتبرة حيضاً وجب عليها الاغتسال من الحيض، ثمّ لا يجب عليها الغسل بعد ذلك في كلّ يوم، أو لكلّ صلاة بسبب خروج دم الاستحاضة إلاّ إذا عرض لها ما يوجب الغسل غير الاستحاضة‏.‏

7 - ولكنّهم اختلفوا في كيفيّة وضوئها، ووضوء من في حكمها من أصحاب الأعذار، كمن به سلس البول، وانفلات الرّيح، وانطلاق البطن، والجرح الّذي لا يرقأ‏:‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّ هؤلاء يتوضّئون لوقت كلّ صلاة، ويصلّون ما شاءوا من الفرائض أداءً أو قضاءً، والواجبات كالوتر، وكذا النّوافل حتّى يخرج الوقت، ما لم يعرض ناقض من النّواقض الاعتياديّة واستدلّوا بما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » المستحاضة تتوضّأ لوقت كلّ صلاة «‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام لفاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها حين قالت له‏:‏ إنّي أستحاض، فلا أطهر‏:‏ » توضّئي لوقت كلّ صلاة « وعليه يحمل قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ » المستحاضة تتوضّأ لكلّ صلاة «، لأنّه يراد بالصّلاة الوقت، قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ » أينما أدركتني الصّلاة تمسّحت وصلّيت « ويقال‏:‏ آتيك لصلاة الظّهر أي‏:‏ لوقتها، فالمستحاضة ومن في حكمها تكون بين الوقتين في حكم الطّاهرات ما لم يطرأ ناقض آخر‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ تكرار الوضوء بالنّسبة للمستحاضة ومن في حكمها من أصحاب الأعذار لا يجب لوقت كلّ صلاة وإنّما يستحبّ ذلك، إلاّ إذا كان انقطاع الدّم أكثر من إتيانه فيجب، لأنّ هذا من الحدث المبتلى به، واحتجّوا بحديث عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش‏:‏ » فاغتسلي وصلّي « ولم يأمرها بالوضوء، ولأنّه ليس بمنصوص على الوضوء منه، ولا في معنى المنصوص، لأنّ المنصوص عليه هو الخارج المعتاد، وليس هذا بمعتاد‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ المستحاضة ومن في حكمها من أصحاب الأعذار يجب أن يتوضّئوا لكلّ فرض بعد دخول وقته، ويصلّوا مع هذا الفرض ما يشاءون من النّوافل، مستدلّين بحديث فاطمة بنت أبي حبيش‏:‏ » توضّئي لكلّ صلاة « ما لم يعرض لها ناقض اعتياديّ‏.‏ وذهب الحنابلة إلى أنّ المستحاضة ومن في حكمها عليهم الوضوء لكلّ صلاة، وبعد غسل محلّ الحدث وشدّه والتّحرّز من خروج الحدث بما يمكن مستدلّين بما روي عن عديّ بن ثابت عن أبيه عن جدّه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المستحاضة‏:‏ » تدع الصّلاة أيّام أقرائها ثمّ تغتسل وتتوضّأ لكلّ صلاة، وتصوم وتصلّي «‏.‏

هذه أحكام الغسل والوضوء لأصحاب الأعذار، ووسيلة التّطهّر في كليهما هي الماء، ولكنّ هذا مشروط بالقدرة على استعماله ووجوده‏.‏

ولا يختلف حكم التّيمّم بالنّسبة للمستحاضة ومن في حكمها من أصحاب الأعذار، فقد قاس الفقهاء التّيمّم على الوضوء والغسل في جميع أحوالهما، بشرط فقدان الماء أو العجز عن استعماله مع وجوده، فالتّيمّم مشروع عند إرادة الصّلاة وفقدان الماء، وهو خلف عن الوضوء والغسل، والخلف لا يخالف الأصل، بل يقوم مقامه‏.‏

شرط ثبوت العذر وزواله‏:‏

8 - شرط ثبوت العذر‏:‏ هو استمرار الحدث وعدم التّمكّن من حفظ الطّهارة، أو استمراره أكثر من انقطاعه، بحيث لا يمضي وقت صلاة إلاّ والحدث الّذي ابتلي به موجود وملازم له غالباً‏.‏

أمّا شرط زواله‏:‏ فهو انقطاع العذر كالدّم وغيره، وخروج صاحبه عن كونه معذوراً، وخلوّ وقت كامل عنه، لأنّ طهارة أصحاب الأعذار طهارة عذر وضرورة، فتتقيّد بالوقت كالتّيمّم‏.‏

بطلان طهارة صاحب العذر‏:‏

9 - اختلف الفقهاء في وقت بطلان طهارة صاحب العذر، فذهب أبو حنيفة ومحمّد إلى أنّها تبطل بخروج الوقت ما لم يطرأ عليها في الوقت ناقض آخر، ولو كان مماثلاً للعذر الأوّل، كما لو سال أحد منخريه فتوضّأ له، ثمّ سال الآخر في الوقت انتقض الوضوء بالثّاني، لأنّه حدث جديد، ولا عبرة بالمماثلة، ولأنّ الحدث مبطل للطّهارة، وعند الإمام أحمد تبطل بخروج الوقت كما تبطل بدخوله وهو ما ذهب إليه أبو يوسف من الحنفيّة فالحدث الآخر وخروج الوقت أو دخوله يبطلان طهارة صاحب العذر‏.‏

طروء العذر في أثناء العبادة‏:‏

10 - إذا تحقّق في المكلّف وجود العذر قبل الصّلاة يتوضّأ ويصلّي، ويبقى طاهراً فيما بين الوقتين، فيصلّي وإن استمرّ العذر معه في أثناء العبادة، فلا تبطل عبادته، لضرورة المرض الّذي يعدّ من الحدث المبتلى به‏.‏

أمّا إذا دخل الصّلاة صحيحاً سليماً، ثمّ دهمه العذر في أثنائها وتأكّد لديه استمراره، فهل ينقض وضوءه وتبطل صلاته أم لا ‏؟‏ اختلف الفقهاء في ذلك على النّحو التّالي‏:‏

11 – أوّلاً‏:‏ إذا خرج ما يعذر به من أحد السّبيلين، كان الخروج حدثاً يبطل الوضوء كما يبطل الصّلاة، وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة الّذين قالوا‏:‏ بوجوب الوضوء على أصحاب الأعذار لوقت كلّ صلاة، سواء أكان العذر معتاداً، لقوله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة‏:‏ » توضّئي لكلّ صلاة، وصلّي وإن قطر الدّم على الحصير «، ولما رواه البخاريّ عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ » اعتكفت مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه، فكانت ترى الدّم والصّفرة والطّست تحتها وهي تصلّي «، أم كان غير معتاد، لما رواه عليّ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال في المذي‏:‏ » يغسل ذكره ويتوضّأ «‏.‏

ولما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ في الودي الوضوء‏.‏

والمذي والودي غير معتادين، وقد وجب فيهما الوضوء، ولأنّهما خارجان من السّبيل فينقضان كالرّيح والغائط، وذهب المالكيّة إلى أنّ الخارج من هذه الأشياء إذا كان معتاداً يبطل الوضوء والصّلاة، أمّا إذا كان غير معتاد كسلس البول، ولازمه نصف الزّمان فأكثر فإنّه لا ينقض وضوءه، ولا يبطل صلاته إلاّ إذا كان أقلّ فينقض الوضوء ويبطل الصّلاة‏.‏

12 - ثانياً‏:‏ إذا كان ما يعذر به خارجاً من غير السّبيلين كالدّم والقيح والرّعاف، فإنّه ينقض الوضوء عند الحنفيّة، ولا ينقض الوضوء عند المالكيّة والشّافعيّة، وكذلك إن كان قليلاً عند الحنابلة، أمّا إن كان كثيراً فإنّه ينقض الوضوء‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏رعاف ف 2‏)‏‏.‏

النّوع الثّاني‏:‏ أعذار طارئة

13 - هناك أعذار ترفع عن المكلّف الحرج، وتدفع عنه الضّيق في عباداته وتكاليفه في أحواله كافّةً، منها‏:‏ ما هو متّفق عليه كالمرض مثلاً، ومنها‏:‏ ما هو مختلف فيه كالبرد والمطر والخوف‏.‏

فعند المالكيّة تكون شدّة الوحل عذراً لترك صلاة الجماعة والجمعة، وكذلك شدّة الرّيح باللّيل لا بالنّهار، كما يكون الخوف على مال من ظالم أو لصّ أو نار، أو الخوف على العرض، أو الدّين، كأن يخاف قذف أحد من السّفهاء له، أو إلزام قتل شخص أو ضربه ظلماً، أو إلزام بيعة ظالم لا يقدر على مخالفته، وكذلك الخوف من الحرّ أو البرد الشّديدين‏.‏ وعند الشّافعيّة يعذر في ترك الجماعة في اللّيلة المطيرة، واللّيلة الباردة ذات الرّيح، والجمع بين الصّلاتين‏:‏ المغرب والعشاء‏.‏

وعند الحنابلة يعذر في ترك الجمعة والجماعة الخائف من ضياع ماله، كغلّة في بيادرها، ودوابّ أنعام لا حافظ لها، أو تلفه أو فواته، كمن ضاع له كيس نقود وهو يرجو وجوده، أو خائف من ضرر في ماله أو في معيشة يحتاج إليها، وكذلك يعذر في ترك الجمعة والجماعة متأذّ بمطر شديد أو وحل أو ثلج، أو جليد، أو ريح باردة في ليلة مظلمة، لقول ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ » كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذّن إذا كانت ليلة باردة، أو ذات مطر في السّفر أن يقول‏:‏ ألا صلّوا في رحالكم «‏.‏

وكذلك الخوف على ولده وأهله أن يضيعوا وكذلك يعذر عندهم عن صلاة الفرض وهو قادر على القيام للصّلاة على الرّاحلة واقفةً أو سائرةً خشية الأذى بوحل أو مطر ونحوه، والجمع في الصّلاة بين المغرب والعشاء لمطر يبلّ الثّياب‏.‏

أمّا الحنفيّة فلم يعتبروا واحداً من هذه الأمور عذراً يبيح للمكلّف التّخلّف عن صلاة الجماعة في المسجد، ولا عن صلاة الجمعة‏.‏

القسم الثّاني‏:‏ أعذار عامّة تتّصل بأحكام العبادات

14 - لقد بنى الإسلام أحكامه على اليسر والسّهولة، فشرع ألواناً من الرّخص لظروف توجد للمكلّف نوعاً من المشقّة تثقل كاهله في القيام ببعض العبادات‏.‏

ومن أسباب هذه الرّخص‏:‏

أ - السّفر‏:‏

وهو السّفر الّذي تناط به الرّخص‏.‏

وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏سفر ف 6 وما بعدها‏)‏‏.‏

وهي في الجملة كما يلي‏:‏

قصر الصّلاة وجمعها‏:‏

15 - أجمع الفقهاء على مشروعيّة قصر الصّلاة في السّفر، وذهب جمهورهم إلى أنّ السّفر من الأعذار المبيحة لجمع الصّلوات‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة المسافر‏)‏‏.‏

جواز الفطر في رمضان‏:‏

16 - اتّفق الفقهاء على أنّ السّفر بشروطه من الأعذار المبيحة للفطر في رمضان‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏صوم‏)‏‏.‏

امتداد مدّة المسح على الخفّين‏:‏

17 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ السّفر يطيل مدّة المسح على الخفّين إلى ثلاثة أيّام بلياليها‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏مسح على الخفّين‏)‏‏.‏

سقوط وجوب الجمعة‏:‏

18 - اتّفق الفقهاء على أنّ الإقامة من شروط وجوب الجمعة، وعلى ذلك يكون السّفر بشروطه من أسباب سقوط وجوب الجمعة عن المسافر‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة الجمعة‏)‏‏.‏

سقوط القسم بين الزّوجات‏:‏

19 - اتّفق الفقهاء على وجوب العدل في القسم بين الزّوجات في المبيت، ويسقط هذا في السّفر، على تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏قسم بين الزّوجات‏)‏‏.‏

ب - المرض‏:‏

ومن الرّخص المتعلّقة بالمرض ما يأتي‏:‏

التّيمّم عند العجز عن استعمال الماء شرعاً‏:‏

20 - إذا خاف المريض من استعمال الماء على نفسه، أو عضو من أعضائه التّلف، أو زيادة المرض أو تأخّر البرء جاز له التّيمّم‏.‏

على تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏تيمّم ف 21‏)‏‏.‏

العجز عن أداء ركن من أركان الصّلاة‏:‏

21 - إذا عجز المريض عن أداء الصّلاة بأركانها أو خاف زيادة مرضه بذلك صلّى على قدر استطاعته‏.‏

وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة المريض‏)‏‏.‏

الجمع بين الصّلاتين‏:‏

22 - اختلف الفقهاء في جواز الجمع بين الصّلوات للمريض، فذهب المالكيّة والحنابلة إلى جواز الجمع خلافاً للحنفيّة والشّافعيّة‏.‏

على تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏جمع الصّلوات ف 9‏)‏‏.‏

التّخلّف عن الجمعة‏:‏

23 - ذهب الفقهاء إلى جواز تخلّف المريض عن صلاة الجمعة للعجز أو المشقّة‏.‏

على تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة الجمعة‏)‏‏.‏

الفطر في رمضان‏:‏

24 - اتّفق الفقهاء على جواز الفطر للمريض في رمضان‏.‏

على تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏صوم‏)‏‏.‏

خروج المعتكف من المسجد‏:‏

25 - يجوز للمعتكف الخروج من المسجد حالة المرض‏.‏

وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏اعتكاف ف 36 وما بعدها‏)‏‏.‏

الاستنابة في الحجّ والعمرة وفي رمي الجمرات‏:‏

26 - ذهب الفقهاء إلى مشروعيّة الإنابة في الحجّ، وفي رمي الجمار لغير القادر عليهما على خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏حجّ ف 66، 115‏)‏‏.‏

استباحة محظورات الإحرام مع الفدية‏:‏

27 - حظر الشّارع الحكيم بعض المباحات على المحرم تذكيراً له بما أقدم عليه من نسك، لكنّ الشّارع راعى الأعذار الّتي قد تقوم بالمحرم، فأباح بعض المحظورات، وشرع الفدية جبراً لما قد يكون في إحرام المحرم من مخالفة‏.‏

وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏إحرام ف 54 وما بعدها‏)‏‏.‏

التّداوي بالمحرّم‏:‏

28 - اتّفق الفقهاء من حيث الجملة على عدم جواز التّداوي بالمحرّم والنّجس، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إنّ اللّه لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم «‏.‏

لكنّ بعض الفقهاء أباحوا التّداوي بهما لعذر، على تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏تداوي ف 8 و 9‏)‏‏.‏

إباحة النّظر إلى العورة ولمسها‏:‏

29 - اتّفق الفقهاء على تحريم نظر الأجنبيّ إلى العورة، ولمسها من الذّكر، أو الأنثى، لكنّهم أباحوا ذلك للعذر أو الضّرورة كالمرض‏.‏

وفي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏تطبيب ف 4، وعورة‏)‏‏.‏

ج - الإكراه‏:‏

30 - الإكراه الّذي تتغيّر معه بعض الأحكام هو‏:‏ حمل الغير على أمر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه ويصير الغير خائفاً به، وللإكراه تقسيمات باعتبارات مختلفة راعاها الفقهاء والأصوليّون ومنها‏:‏ تقسيم الإكراه إلى إكراه بحقّ، وهو‏:‏ الإكراه المشروع الّذي لا ظلم فيه ولا إثم، وإكراه بغير حقّ وهو‏:‏ الإكراه ظلماً أو الإكراه المحرّم لتحريم وسيلته أو لتحريم المطلوب به‏.‏

وقسّم الحنفيّة الإكراه إلى‏:‏ إكراه ملجئ‏:‏ وهو الّذي يكون بالتّهديد، بإتلاف النّفس أو عضو منها، أو بإتلاف جميع المال، أو التّهديد بهتك العرض، أو بقتل من يهمّ الإنسان أمره، وإكراه غير ملجئ وهو‏:‏ الّذي يكون بما لا يفوّت النّفس أو بعض الأعضاء، كالحبس لمدّة قصيرة، والضّرب الّذي لا يخشى منه القتل أو إتلاف بعض الأعضاء‏.‏ والإكراه بجميع أقسامه مفسد للرّضا في الجملة، وبعضه مفسد للاختيار، على خلاف في ذلك، وفي أحكام الإكراه بأقسامه المختلفة، وفي آثار كلّ قسم على الاختيار والرّضا‏.‏ وينظر التّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إكراه، ف 16 وما بعدها‏)‏‏.‏

د - الجهل والنّسيان‏:‏

31 - الجهل هو اعتقاد الشّيء على غير ما هو عليه، والنّسيان من معانيه‏:‏ ترك الشّيء عن ذهول وغفلة، والجهل والنّسيان يعتبران عذرين مسقطين للإثم في الجملة، على تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏جهل ف 4 وما بعدها، ونسيان‏)‏‏.‏

هـ – الجنون والإغماء والنّوم‏:‏

32 – الجنون هو‏:‏ اختلال العقل يمنع جريان الأفعال والأقوال على نهج العقل إلاّ نادراً والإغماء هو‏:‏ آفة في القلب أو الدّماغ تعطّل القوى المدركة عن أفعالها مع بقاء العقل مغلوباً، والنّوم معروف، وقد عرّف بأنّه‏:‏ فتور يعرض للإنسان مع قيام العقل يوجب العجز عن إدراك المحسوسات والأفعال الاختياريّة واستعمال العقل‏.‏

33 - والجنون‏:‏ عذر وعارض من عوارض أهليّة الأداء، وهو يزيلها من أصلها، لأنّ أساسها العقل والتّمييز، والمجنون عديم العقل والتّمييز ولا يؤثّر الجنون في أهليّة الوجوب، لأنّ أساسها الإنسانيّة، أمّا أثر الجنون في العبادات والتّصرّفات والجنايات ففيه تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏جنون ف 9 وما بعدها وأهليّة ف 27‏)‏‏.‏

34 - وكلّ من الإغماء والنّوم عذر، وهما لا ينافيان أهليّة الوجوب، لعدم إخلالهما بالذّمّة، إلاّ أنّهما يوجبان تأخير توجّه الخطاب بالأداء إلى حال اليقظة، وفي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏إغماء ف 5 وما بعدها، وأهليّة ف 30 - 31 ونوم‏)‏‏.‏

و - الاضطرار‏:‏

35 - الاضطرار‏:‏ ظرف قاهر يصلح أن يكون عذراً يجوز بسببه ارتكاب المحظور شرعاً للمحافظة على إحدى الضّروريّات الخمس وهي‏:‏ النّفس، والمال والعرض، والعقل، والدّين، وهذا باتّفاق الفقهاء قاطبةً‏.‏

وفي هذا الموضوع تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏ضرورة‏)‏‏.‏

ز - الحاجة‏:‏

36 - الحاجة هي‏:‏ الّتي لا تتوقّف عليها صيانة الأصول الخمسة المتقدّمة ولا حمايتها، ولكن تتحقّق بدونها مع الضّيق والحرج، فهي إذن ما يترتّب على عدم استجابة المكلّف إليها عسر وصعوبة‏.‏

وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏حاجة ف 2‏)‏‏.‏

ح - الصّغر‏:‏

37 - الصّغر عارض من عوارض الأهليّة، لما في الصّغير من النّقص في العقل والقدرة الجسميّة، والصّبيّ قبل أن يميّز كالمجنون، أمّا بعد التّمييز فيحدث له ضرب من أهليّة الأداء‏.‏

أعذار لها أحكام خاصّة

أ - الإعسار بالدّين والنّفقة‏:‏

38 - إذا عجز الزّوج عن الإنفاق على زوجته لإعساره، وطلبت التّفريق بناءً على عجزه عمّا وجب لها ولو بما تندفع به الضّرورة، فهل يعتبر الإعسار بالدّين والنّفقة عذراً لعدم تلبية طلبها ‏؟‏ اختلف الفقهاء في ذلك‏:‏

فذهب المالكيّة والشّافعيّ وأحمد بن حنبل إلى أنّ للقاضي أن يفرّق بين الزّوجين لإعسار الزّوج وعجزه عن النّفقة‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ الإعسار بالدّين والنّفقة ليس عذراً، فلا يجوز للقاضي التّفريق بين الزّوجين إذا عجز الزّوج عن النّفقة، وهو المرويّ عن عطاء والزّهريّ وابن شبرمة وابن يسار، والحسن البصريّ، والثّوريّ وابن أبي ليلى، وحمّاد بن سليمان، والمزنيّ من الشّافعيّة، لأنّ العسر عرض لا يدوم، والمال غاد ورائح، ولأنّ التّفريق ضرر بالزّوج لا يمكن تداركه، أمّا عدم الإنفاق فهو ضرر بالزّوجة يمكن علاجه بالاستدانة على الزّوج، فيرتكب أخفّ الضّررين‏.‏

ب - العذر في تأخير ردّ المبيع المعيب‏:‏

39 - اتّفق الفقهاء على أنّ ردّ المبيع المعيب يكون بعد العلم بالعيب إذا لم يوجد منه ما يدلّ على الرّضا، وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ خيار الرّدّ بالعيب على التّراخي ولا يشترط أن يكون ردّ المبيع بعد العلم بالعيب على الفور، فمتى علم العيب فأخّر الرّدّ لم يبطل خياره، حتّى يوجد منه ما يدلّ على الرّضا، وعند المالكيّة إذا علم بالعيب فسكت ليوم أو يومين من غير عذر يسقط خياره، وإن كان له عذر لم يسقط خياره مهما سكت عن المطالبة بالرّدّ، فهو معذور مهما طالت المدّة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو علم المشتري بالعيب فلا يجوز تأخيره إلاّ بعذر، ومن العذر عندهم‏:‏ انشغاله بصلاة دخل وقتها، أو بأكل ونحوه‏.‏

وكذا لو علم بالعيب ثمّ تراخى لمرض أو خوف لصّ، أو حيوان مفترس، أو نحوه فله التّأخير، لأنّ الرّدّ بالعيب عندهم على الفور، إذ الأصل في البيع اللّزوم والجواز عارض، ولأنّه خيار ثبت بالشّرع لدفع الضّرر عن المال، فكان فوريّاً كالشّفعة، فيبطل الرّدّ بالتّأخير بغير عذر، وفي الأصحّ عند الشّافعيّة أنّ المشتري يلزمه الإشهاد على الفسخ إن أمكنه ولو في حال عذره، لأنّ التّرك يحتمل الإعراض، وأصل البيع اللّزوم، فتعيّن الإشهاد، ومقابل الأصحّ لا يلزمه الإشهاد‏.‏

ج - العذر في تأخير طلب الشّفعة‏:‏

40 - اتّفق فقهاء المذاهب الأربعة على أنّ عدم العلم بالبيع أو الشّراء يعدّ عذراً في تأخير طلب الشّفعة، ولكنّهم اختلفوا في صور هذا العذر بعد العلم على النّحو الآتي‏:‏

فالحنفيّة يعدّون التّأخير في طلب الشّفعة جائزاً للأعذار الآتية‏:‏

السّفر، كأن سمع الشّفيع بالبيع فحينئذ يطلب طلب المواثبة، ثمّ يشهد إن قدر وإلاّ وكّل، أو كتب كتاباً، ثمّ يرسله إلى البائع على أساس أنّ طلب الشّفعة فوريّ عندهم‏.‏

ومن الأعذار عند الحنفيّة‏:‏ تعسّر الوصول إلى القاضي فهو عذر في تأخير الشّفيع الجار، والصّلاة المفروضة فهي عذر في تأخير طلب الشّفعة‏.‏

وأمّا المالكيّة فيعدّون عدم طلب المشتري من الشّفيع تقديم طلب الشّفعة أو إسقاطها، وهو لا يعلم بالشّراء، عذراً فيقولون‏:‏ عند الشّراء يطلب المشتري من الشّفيع طلب الشّفعة أو إسقاطها، فإذا رفض إصدار أحدهما حكم الحاكم بإسقاطها، ولا عذر له بتأخير اختيار أحد الأمرين، إلاّ بقدر ما يطّلع به على الشّيء المشفوع فيه كساعة مثلاً، وبناءً على هذا إذا لم يطلب منه المشتري الطّلب أو الإسقاط - وهو لا يعلم بالشّراء - يكون عذراً للشّفيع‏.‏

وأمّا الشّافعيّة فقالوا‏:‏ الأظهر أنّ الشّفعة على الفور، فإذا علم الشّفيع بالبيع فليبادر على العادة، فإن كان مريضاً أو غائباً عن بلد المشتري أو خائفاً من عدوّ فليوكّل إن قدر، وإلاّ فليشهد على الطّلب فإن ترك المقدور عليه منهما بطل حقّه في الأظهر‏.‏

وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏شفعة ف 31‏)‏‏.‏

وعند الحنابلة على الرّأي الصّحيح‏:‏ يجوز للشّفيع أن يؤخّر طلب الشّفعة بعد العلم بها لعذر، وذلك كأن يعلم ليلاً فيؤخّره إلى الصّبح، أو لشدّة جوع أو عطش حتّى يأكل أو يشرب، أو لطهارة أو إغلاق باب أو ليخرج من الحمّام، أو ليؤذّن ويقيم ويأتي بالصّلاة وسنّتها، أو ليشهدها في جماعة يخاف فوتها، لأنّ العادة تقديم هذه الحوائج على غيرها، فلا يكون الاشتغال بها رضىً بترك الشّفعة‏.‏

د - أثر العذر في العقود‏:‏

41 - العقود اللازمة يجب الوفاء بها، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ‏}‏ لكن قد تطرأ أعذار لا يمكن معها الوفاء بها، أو يتعسّر معها ذلك، وعندئذ ينحلّ الإلزام وينفسخ العقد، وفي ذلك يقول ابن عابدين‏:‏ كلّ عذر لا يمكن معه استيفاء المعقود عليه إلاّ بضرر يلحقه في نفسه أو ماله يثبت له حقّ الفسخ‏.‏

هـ – العذر في ترك الجهاد‏:‏

42 – الجهاد فرض كفاية إذا لم يكن هناك نفير عامّ، فإذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، أمّا إذا كان النّفير عامّاً، فالجهاد يصبح فرض عين على كلّ قادر من المسلمين، وهذا الحكم في فرضيّة الجهاد متّفق عليه بين الفقهاء، ولكن من لا قدرة له فلا يطالب بالجهاد، لأنّه معذور، وقد أشار سبحانه وتعالى في كتابه إلى أصحاب الأعذار فقال‏:‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ‏}‏‏.‏

والآية نزلت في هؤلاء حين همّوا بالخروج مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين نزلت آية التّخلّف عن الجهاد، وقال سبحانه أيضاً‏:‏ ‏{‏لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ ‏}‏‏.‏

فظاهر الآيتين يدلّ على أنّ الحرج مرفوع في كلّ ما يضطرّهم إليه العذر‏.‏

وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏جهاد‏)‏‏.‏

عَذْراء

انظر‏:‏ بكارة‏.‏

عَذِرة

انظر‏:‏ نجاسة‏.‏

عُذْرة

انظر بكارة‏.‏

عذيرة

انظر‏:‏ إعذار، ودعوة‏.‏